آخر الأخبارالبحوث والدراساتالمكتب العلميبحوث ودراساتمكتب شؤون الأسرة

التأثير النفسي لإيقاف المساعدات الإنسانية في سورية

أعلن برنامج الغذاء العالمي أنه سينهي في يناير برنامجه للمساعدات في جميع أنحاء سورية، حيث ذكرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أن نحو 90% من السوريين باتوا يعيشون اليوم تحت خط الفقر، وأكثر من 15 مليون منهم بحاجة إلى مساعدات إنسانية، حيث بلغت نسبة العائلات التي وصلت إلى حالة الجوع نحو 4% حسب منظمة منسقو استجابة سورية.

لاشك أن هناك تأثيرات سلبية كثيرة على تخفيض المساعدات الإنسانية للعوائل الأكثر فقراً، ولعل منها وأهمها التأثير النفسي، فانعدام تأمين المستلزمات الحاجية والمعاشية تفرض على النفس البشرية أنواعاً كثيرةً من الأمراض النفسية، وسنحاول على عجالة كشف الستار عنها لتبيين إحدى جوانب الخطورة في غياب القدرة على تأمين مستلزمات الحياة.

بدايةً فإن الشعب السوري في غالبه شعبٌ منتجٌ حيٌّ فاعلٌ، لا يعتمد على ما يصله من مساعدات، لكن تداعيات الحرب السلبية، والتضييق، وضعف سوق العمل، وتدني القوة الشرائية، كل ذلك جعلنا نقف أمام واقع يفرض الفقر والعوز على بعض الفئات في سورية.

التأثيرات النفسية:
يمكن اعتبار مصطلح الفقر مأخوذاً من كَسرِ فقرات الظهر، كنايةً عن العوَز والحاجة، وليكون أكثر إيلاماً كلما زادت الحاجة لتأمين أساسيات الحياة، كالطعام والشراب والملبس والمبيت.
وبغض النظر عن تعريفات الفقر، وعن مستوى دخل الفرد، فإنه يمكن اعتبار كل من لا يستطيع تأمين حاجياته الأساسية فقيراً، لهذا كانت المساعدات الغذائية (وإن لم تحل أزمة الفقر في سورية) لكنها تُعين الأسرة بما لا يجعلها عاجزة عن تأمين أساسيات الحياة.
لهذا فإن الفقر يؤثر في سلوك الانسان الاجتماعي وبل يؤثر في مبادئه ودينه وحتى نظرته للحياة، إضافة إلى كيفية تربية الأطفال وتمدده لأساليب التفكير، بل يجزم المؤتمر الثاني عشر لاتحاد الأطباء النفسيين العالمي أن الفقر هو المسبب الأول للأمراض النفسية!
ومن الأمراض النفسية التي تسببها غياب تأمين مستلزمات الحياة:
1- الشعور بالنقص: حيث يشعر الفقير بحالة من الدونية أمام مجتمعه، وأنه أقل شأنا من الآخرين، ما قد يؤدي به إلى الانحراف في الأخلاق، والميول نحو الرذيلة، والشعور بالمهانة التي تسمح له نفسياً بفعل أي تصرف إجرامي، بلوغاً لدرحة الإدمان على المخدارت ونحوها.

2- الشعور بالإحباط: عندما يشعر الفرد بوجود عائق كبير يحول بينه وبين تأمين مستلزمات حياته، مع توقع استمرار هذا العائق في المستقبل، فإنه يؤدي لسيطرة الشعور بالضيق المستمر، ولتتغلب السوداوية والتشاؤم على الإيجابية في الحياة، ويؤدي لاحقاً للاستسلام لليأس والاحباط.

3- العنف: إن الشعور بالفارق الاقتصادي عامل كبير في تعزيز إحساس الفرد بحاجته للثورة بشكل عنيف على واقعه، ما يجعل حالة من المشاعرة السلبية الغاضبة تتملّكه في سلوكياته، سواء في بيته، ومع عائلته (عنف أسري)، أو حتى في مجتمعه، الأمر الذي يجعله بانتظار أي فرصة لمشاركة أعمال اجرامية عنفية قد لا يمكن السيطرة عليها من قبله.

4- الاضطراب العام: وهو تملك الخوف والتوتر الملازم للإنسان, ويأتي على شكل نوبات متكررة من ضيق النّفَس، وزيادة نشاط الجهاز العصبي اللإرادي ونحوهما.

5- انقسام العقل (الفصام) : أو مايعرف لدى الناس بانفصام الشخصية، والذي يكون خفيفا أو قويا حسب الاستعداد الفيزيولوجي للجسم، وليتطور إلى اضطرابات في السلوك بشكل مؤذي للانسان والمجتمع معاً.

6- الاكتئاب: لدينا دراسة حول الاكتئاب وخطورته في قسم البحوث والدراسات التابع لـِ تيار المستقبل السوري، وقد فصّلنا فيه الحديث، حيث يصبح الفرد ممتلئاً بمشاعر الذنب والقلق واليأس وجلد الذات المستمر، ليؤدي ذلك كله إلى ضعف الطموح وانخفاض النشاط الإيجابي، وضعف قدرة الفرد على عقد صلات مجتمعية سليمة، بسبب إحساسه الدائم بالعجز والخيبة.

7- التأثير على الأطفال: تنشر جمعية علم النفس الأمريكية (APA)، دراسة للمعالج النفسي “روزاريو سيبالو” عن تأثير الفقر على أدمغة الأطفال بالخصوص على قشرة الدماغ، الأمر الذي يؤثر سلباً بالذكاء والنجاح.

8- ضعف الأداء الإدراكي: وذلك في ضعف أو انعدام وسائل اتخاذ القرار، فالفقير لن يفكر بقرارات ترفع مستواه المعيشي -حسب بعض الدراسات-، بل سيكون الفقر عبئاً عقلياً يمكن مقارنته بخسارة 13 نقطة من نقاط الذكاء.

لاشك أن حالة التديُّن في مجتمعنا السوري والذي يعطي نوعا من الرضى بالله وعن الله، قد تحجب كثيراً من تداعيات الفقر وغياب المساعدات على العوائل الأكثر فقراً، ولكن مع ازداد الضغوط قد تصبح حالة التديّن والالتزام بعيدة عن التأثير الايجابي!!
ناهيكم عن فقد كافة وسائل وأدوات العلاج النفسي في سورية (ولكافة الفئات العمرية).

لهذا، فإننا نوصي في تيار المستقبل السوري أن يتم إعادة النظر في حجم الخسائر من إيقاف المساعدات عن السوريين المتضررين من تداعيات الحرب، بل إننا نظن أن هناك قراراً خفياً في الدفع بالسوريين نحو مزيد من حصارهم حتى يضطروا لاتخاذ خيارات سلبية تصب في مصلحة دولَ وجماعات تحمل أجندات محلية أو إقليمية أو دولية، مثل الدخول في جماعات مرتزقة عنيفة، أو الانتساب لجماعات متطرفة، أو الانخراط بين ميليشيات المخدرات والإدمان (تسويقاً أو استهلاكاً).

كما ونوصي في تيار المستقبل السوري إخوتنا في المجلس الإسلامي السوري، وكل الكيانات الدينية الأخرى لزيادة النشاط الديني المعتدل ودوره الهام والمؤثر، والذي يأخذ بالاعتبار هذا الواقع المتردي للسوريين، فالدّين في مجتمعنا يعدُّ من أهمّ وأنجع العلاجات النفسية المتاحة.

ونوصي في تيار المستقبل السوري دعم العيادات النفسية في الداخل السوري، ومحاولة تفعيل دورها من خلال نشاط الجامعات السورية وعياداتها (كخطوة أولى).

أخيراً، ندعو المجتمع الدولي إلى زيادة مساعداته المقدمة لأهلنا في الداخل (لا إيقافها والتضييق على الناس)، كما وندعوهم للتوجه نحو مشاريع مستدامة بحيث تقضي على البطالة وتحقق دخلاً مستقراً للفرد والمواطن، مثل:
1- فتح مشاريع استثمارية صغيرة أو متوسطة.
2- إحداث برنامج متكامل للقضاء على البطالة.
3- توفير مواد تصنيع الحاجيات الأساسية كما الخبز بشكل مجاني أو شبه مجاني.

إيمان المحمد
باحثة في قسم البحوث والدراسات
المكتب العلمي
تيار المستقبل السوري.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى