11 عاماً على ميلاد تيار المستقبل السوري
عاشت سورية زمن الأسدين الأب والابن حالةً من الجمود السياسيِّ والمدنيِّ منقطعي النّظير، امتلك خلالها النّظام السوريّ حصرَ تخمير وطبخ كافة التيارات والأحزاب السياسية، ضمن قوالب ما يُسمى “الجبهة الوطنية التقدمية”، على أن تُصنَّعَ في أفرع حزب البعث العربي الاشتراكي، وتُطبخَ في مطابخ “القيادة القطرية” وبإشرافٍ مباشر من الشّيف “أذرع أجهزة الأمن الخمس الأساسيّة”!
وبذلك يمكننا القول أنَّ أيّ نشاطاتٍ مدنيّةٍ أو سياسيّةٍ لم تكن بمعزلَ عن تمثيلياتٍ هزليّة لا غير، وبسبب سياسة التضييق تلك، وفكرة هيمنة الحزب الواحد، ذو القائد الأوحد للشعب والوطن، انفجر الخزّان الشعبي عن ثورةٍ سوريَّةٍ بامتياز، قائدها أبناء الوطن الواحد، ومحرّكها الكبتُ والتّضييق! حراكٌ شعبيٌّ، وفورانٌ جماهيريٌّ، لو قُدِّرَ له أن يحصل ضمن ظروفَ مختلفةٍ، أو في بيئةٍ حرّةٍ تؤمن بحراك الكوادر الوطنية لتوليد كيانٍ أو كياناتٍ سياسيّةً أو مدَنيّةً، لكان مخاضهُ عرسٌ وطنيٌّ مأمولٌ، لا جنازةٌ مليونيَّةٌ كما حدث ويحدثُ حتّى يومنا هذا!
بل ولربما، كانت النتيجة ولادة تياراتٍ تمثّلُ “جبهةً وطنيّةً حقيقيّةً” تُمثِّل مختلف مكوّنات الشّعب السوريّ الفاعل، ولينشط فيها ومنها ومعها.
نعم، قامت الثورة السورية، وصارت النُّخَب تبحث عن مكانٍ فاعلٍ حقيقيٍّ لها في السّاحة السورية الكبيرة والمعقّدة، ورأينا (نحن) من بين آخرين، أنَّ الفرصة سانحةٌ لأن نكون مع غيرنا في تلك الساحة الرّحبة، ضمن تياراتٍ فاعلةٍ ومؤثرة، قِوَى تؤمن أنّ زمن الحزب القائد، والقائد الملهم، قد مضى وانتهى تحت أقدام الشعب السوري الحرِّ والثّائر، وأنّ الوقت قد حان لخلق حالةٍ من التّنافس السياسيِّ الوطنيِّ، نحو بلوغ رتبة التّكامل بيننا، فالتّعاون، وليكون الواقع الجديد، وتعقيدات المشهد، أرضاً خصبةً لنَحتِ تياراتنا وتشكيلها، في حالةٍ تشهدُ إيجابيةً حتى يومنا هذا، رغم قتامة الصّورة العامة.
لقد كانت حالة الفوضى في الساحة السورية لدينا متوقَّعة، وألقت بظلالها على حال كياناتٍ وأحزابَ وجماعاتٍ، ما لبث أن سقطت في المسير الواقعيِّ، ولم يبقَ إلا الرَّاسخ منها، ولن يبقَ إلاَّ اللاعبون المتمكِّنون من إدارة الواقع، ومراقصة الظروف، “فأما الزَّبدُ فيذهب جفاءً، وأمَّا ما ينفعُ النَّاس فيمكث في الأرض”، ولهذا ولد تيار المستقبل السوري عام 2012، من رَحِمِ الثّورة السوريّة، وأخذ يشبُّ ويكبر (11 عاماً)، حتّى يومنا هذا، وما زال في طور النّمو الطبيعيّ، فهو ابنُ الأرض، يسعى لان يخرق الظّروف القاسية بثباته، وابن المستقبل يعمل على رسم خطاه بتؤدةٍ وحكمةٍ وتبصُّر.
مقدمة:
ابتدأت الفكرة مع مشروع تأسيس (تيار التّغيير الوطني)، حيث كنتُ “زاهر بعدراني”، ودائرةٌ ضيّقةٌٌ من شخصياتٍ وطنيةٍ، منها الرّاحل “وحيد صقر”، والصديق “عمار القربي”، “وآل سنقر”، وآخرين، من مؤسِّسيه، ومُعدّي أوراقه الأولى، بل وأكثر من ذلك ممَّا لا مكان لذكره هنا.
ولأسبابَ موضوعيّة، وأخرى سياسيّة، وكخطوةٍ أصفُها بالاستراتيجيَّة والمفصليَّة الضروريَّة، انسحبتُ بدايةً من “تيار التغيير الوطني”، في جوٍّ من الاحترام والنديّة، ثم قمتُ مباشرةً بالدعوة لعقد اجتماعين اثنين مع فريقين، الأول: ضمَّ أولئك الذين شكّلوا دوائر العلاقات العليا في مسيرة حياتي ومعارفي واستطالاتي، ورجالاتُه كلُّهم سوريّون، منهم: سياسيُّون وعسكريُّون ورجال فكرٍ منشقوُّن عن نظام الأسد بعد الثورة السورية 2011، ومنهم قبل ذلك، وآخرون ممَّن عاشوا معظم سنوات عمرهم في بلاد المغترب وما يزالون، (وهم مَن أسمّيهم رجالَ الظّل في تيار المستقبل السوري حتّى يومنا)، والثاني، فريقٌ في العلن: أيضاً موزّعون بين: موظّفين وكوادر، مكشوفي الهويّة، واُخَرُ مِن شخصياتٍ سوريّة (ممّن نعتزُّ بهم) آثرت أن تكون في معنا وبيننا في العَلن، حيث تلاقت أفكارهم ورؤيتهم للمستقبل مع ما قدمناه لهم من مشروعَ مدروسٍ ومُعدٍّ بعناية، فكانت ولادة ((تيار المستقبل السوري)).
الانطلاق:
استمر العمل على التأسيس قرابة ستة أشهر أو يزيد، تم فيها دراسة الأهداف والمحددات بشكلٍ عميقٍ ومكثّفٍ، رافق ذلك حالات من المدِّ والجزر الفكريِّ، أفضى أن انطلق مركبنا، واُشرِعَ شِراعُنا نحو مبادئ “تيار المستقبل السوريِّ” العامّة، مع ترسيخ فكرةِ المرونة في صُلب بناء القالب والهيكل، ليُجاري تطورات الأحداث، ويواكب أمواج المتغيرات الإقليمية والدّولية العاصفةِ، على حدّ سواء، شريطةَ الحفاظ على سقفِ مطالب أبناء وطننا من الثُّوار، وأهداف الثورة السورية، وتمَّ التّوافقُ يومها لاعتباراتٍ متعدِّدةٍ على اسم “زاهر إحسان بعدراني” رئيساً لـِ “تيار المستقبل السوري” دونما اقتراعٍ ولا تصويت، ومازال في منصبه الذي أعتبرهُ مسؤوليةًً وطنيّةً، وأمانةًً شعبيّةًً، لبلوغ الأهداف والغايات الجِسام والمرجوّة منّا (كلٌّ من موقعه).
أذكر هنا، أنّ يوم الـ 13/ 11/ 2012م, كان يوم تسجيل ولادة “تيار المستقبل السوري” رسمياً، حيث تمَّ تسجيله أولاً بشكلٍ رسميٍّ في بلدي الثاني (الذي أحمل جنسيته) “الولايات المتحدة الأمريكية”، لدى عددٍ من الوزارات الهامّة والمؤثرة، وكان ذلك في تمام الساعة 3:45:18، الثالثة، والخمس وأربعين دقيقة، وثماني عشرة ثانية، ظهراً، فبات ذلك تاريخاً وطنياً لكوادر “تيار المستقبل السوري” في الداخل والخارج، (بانتظار تسجيله العظيم في بلدنا الأم سوريّة، وقد تحقّقت أهداف الثّورة السوريّة كلِّها)، وبذلك يكون “تيار المستقبل السوري” من أوائل التيارات والأحزاب السوريّة التي تأسَّست بعد انطلاق الثّورة السوريّة، إيذاناً برحيل نظام الأسد وكافة أركانه، ولينطلق بعدها ضجيج تأسيس الأحزاب والتيارات والجمعيات السورية، التي رَسَمَت صورة سوريّة الحرّة وما تزال، سوريّة الجميلة بكلِّ مكوّناتها، فالشعب السوريّ الحيُّ، هو شعبٌ فاعلٌ ومؤثرٌ ومتجدِّد، ونحن نرى في الأحزاب والتيارات مَعبَراً صحيَّاً سليماً وواقعياً، والبقاء فيه لمن رسَخَت قدمه، وصَدَقَت كلمته، وسَمَت همّته، وظهرت على الأرض خدمتُه، وذاع بين الناس صيتُهُ واسمه، {وفي ذلك فليتنافسِ المُتنافسون}.
المسار الفكري والسياسي:
لا شك أن المؤسسون لِ “تيار المستقبل السوري” يعتبرون أنَّ الساحة السورية تتسع لجميع الفاعلين المؤثّرين، فمنهم الذين اختاروا المسار المدنيَّ والسياسيَّ والفكريّ، دون العسكريّ! وقد وجدنا وجهتنا بعد عناءٍ وتعلُّمٍ وخبرةٍ وتجربةٍ أنَّ رسم خريطة مسار “تيار المستقبل السوري” إنما تكمن في ثلاث مسالك:
الأول: الدولة
يؤمن تيار المستقبل السوري أنَّ أسَّ المشكلة السورية بالأمس وليومنا، وأنَّ أسَّ حلِّها هو في “الدّولة”، فضعف أثَرِ الدّولة ووزنها على حساب تغوُّلِ “عائلة الأسد”، هو سببٌ مباشرٌ للثورة الشعبية عليه وعلى نظام حكمه وحُكم أبيه! وأنّ استمرار غياب الدولة زمن الحرب هو سببُ حالة فشل الدولة في اجتراح حل (أي حل)، ولاشكّ هنا أنّ الحلّ الأمنيّ لا يُسمّى حلاً (بل هو سبيل ال لا حل)! إذاً فالحلُّ يكون حسب رؤيتنا من خلال إقامة “الدَّولة”، الدّولة الوطنيّة التي يراها كلُّ السوريين دولةً تليقٌ بهم، دولةٌ كلُّ مواطنيها متساوون بالحقوق والواجبات.
لهذا كان مسارنا موجهاً نحو غايةٍ ساميةٍ تتمثل بتحرير “الدولة” أولاً من كلِّ التبعيّات الطائفيّة، والعشائريّة، والوصايّة، والاحتلالات الخارجية، تحت أيّ مسمى.
وأنّ “الدولة” لابدّ أن تكون مصدر حلٍّ واقعيٍّ مستدامٍ، لذا فإنه لا يمكن أن تصطبغ بصبغةٍ عسكريّة، ولا طائفية، فهي دولةٌ مدنيَّةٌ، يكون الرئيس فيها موظفاً مسؤولاً أمام الشعب عبر برلمانٍ منتخبٍ بلا قدسيةٍ أو فوقيةٍ أو استبداد أو استقواء!
وبذلك تكون الدولة (نقولها تجاوزاً) بحالها الحالي، عبئاً جاثماً على صدور السوريين، ولا مندوحةَ عن إقامة الدولة العصرية الحديثة التي تستفيد من تجارب الدول المتقدمة والمتطورة بالبنيان والهيكلة والتخطيط ثم الإدارة.
من هنا كانت رؤيتنا أنَّ الدولة لابدّ أن تخضع عبر سلطاتها الثلاثة (التنفيذية، التشريعية، القضائية) لقبول الشعب السوري، دون وصاية طائفية أو سياسية أو استبدادية، فالشعب يتحمل وحده مسؤولية اختيار سلطاته، ووحده يملك حق تغييرها، ووحده من يقع على عاتقه حمل أركان “الدولة”، وحمايتها من أيِّ مستبد أو معتَلٍّ داخلي، أو محتلٍ خارجي.
وأخيراً فيما يتعلّق بالدولة، فالدولة لادين لها، ولا توجُّه يؤطِّرها، ولا لونَ يَميزُها، فالدولةُ كيانٌ معنويُّ لجميع السوريين، ليس لمكوِّنٍ من مكوناته، ولا لشخص منهم دون غيره! وبالتالي فكل السوريين بمختلف أديانهم وقوميّاتهم ولغاتهم واختلافاتهم، (أبناء) لتلك الدولة (الأم) سواسيةٌ دونما تمييز.
وحسب رؤيتنا، فالحل السوري، وصولاً إلى استقلال القرار، وبلوغ الاستقرار، إنما يقوم على إحياء مفهوم الدولة، وتصحيح مسارها.
المسلك الثاني: التفاعل السياسي والمدني.
نؤمن في “تيار المستقبل السوري” أن سلطة الحزب القائد قد انتهت، وأن كثرة الأحزاب والتيارات مهما تعددت فهي عامل صحي، والواقع سيهذِّبها وينخُلُها، وبالتالي فإننا نؤمن بالتعدديةِ ضرورةً، وتيارٌ واحدٌ لا يمكنه حملُ همِّ شعبٍ كامل!
وبالتالي فإن “تيار المستقبل السوري” والذي وُلد من رحم ثورة الشعب السوري، هو حتى اليوم أحد أبناءه الأبرار، وصولاً إلى نقطة التقاءٍ وطنيةٍ، عبر طاولةٍ مستديرةٍ، تطرح مشروع وثيقة وفاقٍ وطنيٍّ، بمشاركة القوى السياسية الوطنية المتعددة، بلوغاً للسِّلم والأمن الأهلييَّن، من أجل النهوض بسورية من ركام الحرب.
إننا في تيار المستقبل السوري نؤمن أنَّ التغيير والاصلاح لا يكون إلا بتضافر جهود جميع السوريين، بمختلف توجهاتهم وتياراتهم، وأنَّ بناءَ مجتمع العدالة والمساواة لا يكون إلا بتوافقِ القوى الوطنية حولها.
المسلك الثالث: الارتباط الشعبي
إنَّ من أوجبِ واجباتنا كنُخب سوريَّة، إعداد المواطن الصّالح والمصلح، من خلال القيم الأخلاقية، والتوجيهات الدينية، والضوابط المجتمعية، ولهذا قمنا بتأسيس مدارس “تواد” في الداخل السوري، للاهتمام بإعداد جيلٍ جديدٍ واعٍ ومميّز، وتمّ تركيزنا على فئة الأيتام منهم، والمتسرّبين عن مقاعد الدراسة لأسباب الحرب والنزوح والزلزال وغيرها، ونعمل على إيجاد فرص عملٍ للشباب للاستغناء عن ظاهرة تقديم الإغاثة المستدامة وما نتج عنها من سلبياتٍ لا تخفى على المطّلعين والمتابعين!
ومن ناحيةٍ أخرى فإننا نرى أن تمكينَ المواطن السوري الفرد، إنما يكون عبر:
1- دعم المرأة السورية وإبراز شخصيتها القدوة والنموذج، وتفعيل مساهمتها الايجابية والوطنية من خلال المشاركة ببناء سورية الدولة المدنية الديمقراطية، وتمكينها من الحصول على حقوقها عبر ترسيخ مبدأ المساواة في الواجبات والحقوق.
2- دعم الشباب باعتبارهم حاضر سورية ومستقبله، من خلال تأمين التعليم الصحيح والميسر له، وتأمين فرص عمل حقيقية للشباب، ومن خلال تيسير زواجهم وتأمين ما يلزم لذلك، إضافة لإقامة مؤتمرات ولقاءات تجمعهم وتوحِّد رؤيتهم وهدفهم.
3- الاهتمام بالأطفال السوريين الذين هم مستقبل سورية وعمادها، من خلال تأمين فرص التعليم لهم، واستقطاب المتسربين عن مقاعد الدراسة منهم، ورفض زجهم بالعنف والحروب، ورعايتهم نفسياً وجسدياً وفكرياً ووطنياً.
جهود تيار المستقبل السوري في الداخل والخارج:
تتمثل جهود تيار المستقبل السوري حول عدة محاور منها:
المحور التنسيقي: وهو ربط عمل الداخل مع الخارج السوري، من خلال تفاعل وطني سوري أصيل، لهذا رسّخنا ارتباطنا بعمقنا الحقيقي في الداخل السوري عبر تأسيس مقرَّين اثنين أوليَّين لِ “تيار المستقبل السوري”، في كل من مدينتي “اعزاز” و “عفرين”، ونحاول جاهدين تأسيس مقر كلّ عام بمدينةٍ سوريّة، على أمل أن تشمل مقراتنا كامل تراب الوطن السوري.
المحور السياسي: عمل لقاءات دورية سياسية وغير سياسية، عربية وإقليمية ودولية، نُدلي فيها بدلونا سعياً للوصول إلى حلٍّ سوري حقيقي، ضمن جهود السوريين كافة، ونؤكّدُ أن “تيار المستقبل السوري” يملك منذ يوم تأسيسه وحتى يومنا هذا احتراماً وتقديراً منقطع النظير لدى مراكز القرار المختلفة في العالم، ونسعى لتطوير التواصل والتفاعل بالقدر الذي يُمكِّننا من خدمة مشروعنا الوطني، وأهدافنا الاستراتيجية، ومساعدة شعبنا للوصول إلى حلٍّ دائمٍ وحقيقي.
المحور الديني: ركزنا في “تيار المستقبل السوري” على الاهتمام بالجانب الروحي والديني المعتدل، والذي نعتبره حلاً واقعياً صحياً لمجتمعٍ غالبية العظمى تدينُ بدينٍ أو تعتبر الأديان لديها محطَّ احترامٍ وعناية، بسبب البيئة والواقع.
وبذلك فإننا في “تيار المستقبل السوري” نحاربُ دعوات التّطرف والإباحية، من خلال محورين:
1- المحور الإسلامي السنّي الوسطيّ المعتدل والمنفتح، والذي يُمثِّل غالب دِين المناطق المحررة، والتي أسسنا بها مراكزنا في الداخل السوري.
2- المحور الديني الشامل، من خلال التّعاون والتكامل مع مختلف رجال الدّين والمثقفين والمفكّرين الأحرار، ومن كلّ الأديان والمذاهب والطوائف.
المحور العلمي: أسسنا لذلك المكتب العلمي لِ “تيار المستقبل السوري”، وقسم البحوث والدراسات التابع له، واستكتاب جملة من الباحثين والمفكّرين السوريين، ونهدف من خلال ذلك، زرعَ بذرةِ مركزٍ بحثيٍّ سوريٍّ وطنيٍّ كبيرٍ ومتكاملٍ، مهمَّته توسيع حدقَة الرؤيا لدى صناع القرار من سوريين وغيرهم، ونسعى لتوسيع عمل المكتب العلمي ليشمل عقد لقاءات فكريةٍ منوَّعةٍ، وحواراتٍ تنظيريَّة تهمُّ الساحة السورية، على اعتبار أن أيَّ حراكٍ دونما تنظيرٍ واقعيٍ إنما مؤدّاه الفشل.
الأهداف:
لا شك أنّ على رأس أولوياتنا في “تيار المستقبل السوري” إسقاط نظام بشار الأسد، وكافة أركانه، والانطلاق لبناء سورية حرّة كريمة، ضمن حلٍ سياسيٍّ سوريٍّ لا يشمل الأسد، وخلق بيئةٍ صحيةٍ لعودة السوريين لبلدهم، والمساهمة في إعادة إعمار الإنسان والبنيان.
ومن أولى أهدافنا ترسيخ القيم الوطنية والديمقراطية والدينية المعتدلة غير المتطرفة، بحيثُ نُعِدُّ المواطن الصالح المصلح المفيد لبلده وشعبه.
ومن أهدافنا، أن نكون في ريادة العمل المدنيّ السياسيّ السوريّ، ونطمح للمشاركة الحقيقية والفاعلة في السلطة السورية الحقيقية القادمة دون مواربةٍ أو نفاقٍ أو تبطين، بل نتحمل المسؤولية مع رفاق الدرب والوطن نحو سٌلّم القيادة والريادة.
ومن أهدافنا، أن نجد معكم سورية التي نفخر بها، سورية بلا املاءاتٍ خارجية أو وصايات خبيثة، ولذا انتهجنا منهج الاستقلالية الاقتصادية التامة، وعدم قبول أي تمويلٍ أو دعمٍ خارجيٍ مشروطٍ أو غير مشروطٍ، إيماناً منّا أن الاستقلالية حريّة، وأن الحرية لا تأتي دونما اعتمادٍ على الذات، وفرض احترامنا (باكتفائنا) على الغير.
ويبقى على رأس أولوياتنا، إيجاد بيئةٍ وطنيةٍ حقيقيةٍ داعمةٍ للحوار بين السوريين بكامل تيّاراتهم وانتماآتهم، وتوجهاتهم، ومكوناتهم، حواراً سورياً وطنياً نديًاً بما فيه مصلحة الوطن والمواطن.
خاتمة:
منذ انعتاقنا من حكم الاستبداد، والحزب القائد، والسلطة القمعية، والسياسة الأمنية، خضنا تجربتنا الجديدة مثل كل السوريين لنرسم المحددات التالية:
1- رغم علاقاتنا السياسة في سورية ومشاركتنا ضمن السلطة بشكل أو بآخر، وصلاتنا مع أصحاب النفوذ والحكم، إلا أننا نعتبر سورية بعد 2011م قاعة خبرة وتجربة نتعلم منها وخلالها، نُفيدُ ونستفيد، دون ادعاء الكمال الموهوم، ودون زعم وجود قائد ملهم في الممارسة السياسية، بل بتفاعلٍ وتشاركيةٍ وتلاحمٍ ونديةٍ، دونما خصامٍ وصدامٍ يُشكل حواضننا السياسية التي حرُمنا منها خلال حقبة حكم الأسد الأب والابن.
2- نحن تيار سوري ضمن تيارات سورية متعددة ومتباينة، ولسنا تياراً لكل السوريين، ولا نبحث عن حزب قائد، ولا نحلم أن نكون تيارا قائدا، بل تيارا ضمن تيارات سورية، نحمل العبئ جميعا بروح الندية الوطنية.
3- استفدنا من تجارب السنوات الماضية أنّ أي تيار سياسي يريد العمل بشكل صحي عليه أن يكون مرتبطا بالأرض، بالشعب، بسورية الداخل، وأن سورية الداخل لا يجب أن تستغني عن سورية الخارج، بل يجب أن يتم التكامل والعمل بينهما، ولهذا يمكن اعتبار تيار المستقبل السوري من التيارات المتفاعلة بين الداخل والخارج.
أخيراً، نحن أبناء الأرض، زرعُها ونبتُها، ندعو كل السوريين الذين يؤمنون أن الواقع مهما كان سيئاً فلن تغيّره إلا سواعد أبناء الوطن، هذه السواعد التي تبني الحاضر والمستقبل، وبابنا مفتوح لكل سوري يرى رؤيتنا لأن ينضم لمسارنا، كما ويدنا ممدودة لكل تيار وكيان سوري نتشارك معه البناء الواقعي أو النظرة المستقبلية.
هذه رؤيتنا، وهذا مسارنا وهذا طريقنا، نحن تيار المستقبل السوري.