جيل “زد”، يُشير عادة إلى جيل الشباب الذي ولد في الفترة الممتدة من منتصف التسعينيات إلى منتصف الألفية الجديدة، أي ما بين عامي 1995 إلى 2010 تقريبًا.
يطلق على هذا الجيل أيضًا اسم جيل “زد” نسبةً إلى حرف “Z” الذي يرمز إلى الألفية الجديدة.
يعتبر جيل “زد” أول جيل نشأ في ظل التكنولوجيا الرقمية والاتصالات المتقدمة، وثورة الإنترنت والشبكات الاجتماعية، مما جعله يتمتع ببعض الخصائص والاهتمامات الفريدة التي تميزه عن الأجيال السابقة، وكيف لا، وهم جيل عالم التقنيات الحديثة ووسائل الاتصال، وفرسان التفاعل مع الهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك، انستجرام، تويتر، تيك توك، لينكد إن، وغيرها، كما أنهم يتسمون في معظمهم بتطلعاتهم نحو التغيير والتطوير، بما يوافق رؤيتهم المتقدمة للتكنولوجيا وأفكارهم الابتكارية، وحلولهم الخلاّقة.
إذاً فجيل “زد” لديه قيمه وقراءته ومواقفه المختلفة، وهم عادةً ما يكونوا متعلمين ومدركين لقضايا العالم، ويتمتعون بقدرة عالية على استخدام وتبني التكنولوجيا، والتعبير عن أنفسهم بشكل فردي ومبتكر، كما يتمتعون بروح المبادرة والتأثير على المجتمع من خلال النشاط الاجتماعي والنشاط العام.
مع ملاحظة أن هذه الاعتبارات لجيل “Z” قد تختلف من شخص لآخر، ومن بيئة لأخرى، مما يعني أن أفراد جيل “زد” قد يتوافقون مع الوصف العام أو قد يختلفون معه!
ثورات الربيع وجيل زد:
شهد جيل “زد” أحداث الربيع العربي، والنشاط السياسي في عالم متصل ومترابط عبر وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت، وكان تعامله مع الربيع العربي والنشاط السياسي متأثراً بعوامل عدة، بما في ذلك الخلفية الثقافية والتعليمية والاجتماعية لكل فرد.
ولكن بشكل عام، يعتبر جيل “زد” من الأجيال النشطة سياسيًا واجتماعيًا بشكل أكبر من الأجيال السابقة، وذلك بسبب سهولة وصوله للمعلومات وتحليلها، والتواصل السريع مع الآخر عبر الفضاء المفتوح (الإنترنت)، ووسائل التواصل الاجتماعي المختلفة.
يتمتع العديد من شباب جيل “زد” بالقدرة على التعبير عن آرائهم بصراحة، والانخراط في الحوارات السياسية، والمشاركة في أي نشاط على نطاق واسع.
فمثلاً حول ثورات الربيع العربي، نجد أن جيل “زد” كان له تأثير كبير ومباشر، فقد كانوا شهوداً وجنوداً وعناصرَ تأثير وتغيير جذري في عدد من الدول العربية، وخرج العديد منهم عن الصمت ليعبر عن موقفه بحزمٍ وعزمٍ في الشوارع والساحات، مطالبين بالتغيير، ومشاركين برسم مشهد النضال السياسي لتحقيق الديمقراطية والحريات الأساسية.
مع ذلك، فإنه يجب الإشارة إلى أن التعامل مع ثورات الربيع العربي والنشاط السياسي كان مختلفاً من فرد لآخر في جيل زد، فهناك منهم الذين شعروا بالارتباك أو القلق تجاه الأحداث السياسية والتغيرات الاجتماعية التي تدور من حولهم، بينما كان آخرون يشعرون بالحماس والتفاؤل لفرص التغيير التي أتاحها الربيع العربي.
وبشكل عام، فقد اعتمد التعامل مع الربيع العربي والنشاط السياسي في جيل “زد” على التوعية، والمشاركة في الحوار العام، والبحث عن مصادر موثوقة، والعمل على تحقيق التغيير الإيجابي في المجتمعات التي يعيشون فيها، وكان لهم أثرهم وتأثيرهم الواضح والمُثبت.
سلبية جيل “زد”:
تعتبر التكنولوجيا عصباً رئيسياً لجيل “زد”، وبالتالي يمكن اعتبارها أحد أهم مصادر المعرفة لهم، الأمر الذي يعني الوقوف على ظواهر الحقيقة والتعامل مع القضايا السطحية بشكل غير متعمق، ما يجعلهم عرضةً للتلاعب بأفكارهم، والتأثير على قراراتهم وخياراتهم، في حال سيطرة القوى الظلامية أو الظالمة على التكنولوجيا، وهذا ماكان!! فاستطاعوا بشكلٍ أو بآخر التأثير عليهم وحرف مسار تفكيرهم وتشتيت انتباهم نحو الهدف والغاية، وربما تمييع مطالبهم لحدّ هدرها وربما قتلها.
وفي الحالة السورية يظهر تأثر جيل “زد” في الخطاب الشعبوي الأقرب لروح عامة الشعب من البسطاء بشكل واضح، ثم سرعان مايتم الاصطدام بقساوة المشهد السوري وارتداداته، ومآسي صعوبة اتخاذ مواقف حاسمة وحازمة من جملة التداعيات.
ففي مناطق النظام السوري تستمر محاصرة الفكر من خلال بسط قوى الأمن والمخابرات سطوتها! فتُظهر السوشال ميديا بعضاً من تجاوزات نظام الأسد على خجل ووجل، الأمر الذي يولد حالة من الخوف المسكوت عنه في حالة اللاوعي عند جيل “زد” في الوطن.
وفي مناطق “قسد” كما مناطق حكومتي الإنقاذ والحكومة المؤقتة، يشترك جميهم بجدلية الاحتجاج بواقع الحرب لعدم تحمل أي مسؤولية!!
يلحق بكل ذلك مناطق النزوح خارج سورية والتي بدورها تُعتبر عاملاً ضاغطاً بما يحمله من ظروف مأساوية تُغرقهم عن مجاراة الأحداث وصناعة التغيير.
مستقبل لامبالي:
مع كل ما سبق، نجد جيلاً كاملاً في حالة من عدم التأقلم والتكيف أمام واقع معقد وصعب، حتى أفقده التفاعل مع قضايا الثورة والوطن، مكتفياً بقضايا لا تحمل كلفة وضريبة، مثل الوقوف مع أهل غزة مثلاً.
ويمكن اعتبار تسعة من بين عشرة أفراد من جيل “زد” يحملون في هواتفهم الذكية صور فلسطين بعد حادثة ٧ اكتوبر، مع غياب واضح لعلم سورية الثورة مثلاً، حيث يشعر الفرد بضرورة الانتماء لقضية غير معقدة، ولا تحتاج تعمقاً لفهمها، كما هو حال الملف السوري اليوم مع تعقيداته وتشابكاته ورجالاته.
خاتمة:
لا يمكن القول بأن جيل “زد” سطحي بشكل عام، الجيل الجديد، المعروف أيضًا بجيل الألفية، قد يأتي بتحدياتٍ ورؤيةٍ مختلفة عن الأجيال السابقة، إذ من غير العادل الجزم بأنه جيل سطحي دونما تفصيلٍ للأسباب أو تقييم دقيق للمسببات.
قد يؤدي تشابه بعض السمات في الجيل الجديد، مثل تفضيل الاستخدام المكثف للتكنولوجيا والتواصل الاجتماعي عبر الشبكات، إلى اعتبارهم سطحيين! لكن ومع ذلك، ينبغي أن نأخذ بعين الاعتبار أن تلك السمات تعكس تطورًا تكنولوجيًا واجتماعيًا في المجتمع بشكل عام، مما لا أن نلمسه في واقعنا اليوم بشكلٍ أو بآخر، كما هو حال فريق الهاكرز، والذي يعمل من حين لآخر على اختراق مواقع رسمية لبعض الأنظمة العربية ممن شهدت ربيعاً وخريفاً أطال عمر شتائهم حتى اليوم.
ومن الملاحظ أن هناك العديد من الأفراد في جيل الألفية الذين يبدون اهتمامًا كبيرًا بالقضايا الاجتماعية والبيئية والفن والثقافة ونحوه، مما يدل على وجود تنوع وثراء في هذا الجيل.
بالتالي، فإن التوجيهات العامة والتصنيفات العامة لا يجب أن تستخدم لوصف جميع أفراد هذا الجيل بصفة عامة.
إذ من الناحية السيكولوجية، يمتلك جيل “زد” سمات وخصائص فريدة تميزه عن الأجيال السابقة. منها:
- يواجه جيل “زد” منذ الصغر تكنولوجيا الهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي، ولديهم اعتماد كبير على تلك الوسائل في التواصل والتواصل الاجتماعي، ولهم فهم عميق لتقنيات الرقمنة، الأمر يجعل نفسيتهم لايمكن التنبؤ بها.
- يُلاحظ أن جيل “زد” ميله إلى البحث عن تجارب مختلفة ومتنوعة ويميل إلى الاستهلاك المستدام، كما يلجأون إلى التسوق عبر الإنترنت ويهتمون بالعروض والمقارنات والاستفادة القصوى من أموالهم.
- يتطلع جيل “زد” إلى تحقيق التوازن بين العمل والحياة الشخصية، مما يجعلهم أكثر اهتمامًا بجودة الحياة، والاستمتاع بالوقت الحر، والتفاعل الاجتماعي أكثر من التفاني الكامل في العمل.
- يشتهر جيل “زد” بقبوله للتنوع والتسامح، حيث يعتبرون الاختلاف والتنوع أمرًا طبيعيًا ويؤمنون بأهمية التعايش السلمي وحقوق الإنسان.
لهذا وجب الاهتمام بالإستماع الدقيق لما يقوله جيل “زد”، وكذا الاهتمام بنوعية الخطاب الموجَّه والموجِّهِ لهم، ومعرفة استخدام الميديا والتكنولوجيا، وغيرها، لتكون وسيلة لايصال الصورة المعمقة غير السطحية، فجيل “زد” يُعتبر أكثر الأجيال حرية في اختيار وتغيير قناعاته دون مراعاة للضغوطات الخارجية.
كما يجب ملاحظة طبيعة التسامح التي يحملها هذا الجيل والاستفادة منها في خلق تصور مستقبلي للتعايش السوري بعد حالة الثأرية الطائفية التي خلفتها سياسات الأسد، وتدخلات إيران الطائفية، والتطرف الجهادي وغيره.
وأخيراً، لابدّ من بذلِ مزيدِ الاهتمام بجيل “زد” وإشراكهم بالمسؤولية الوطنية من A إلى Z لصنع المستقبل السوري الذي نسعى إليه ونعمل له.
إلياس عبد المسيح
مكتب الأسرة
قسم البحوث والدراسات
مقالات
تيار المستقبل السوري