مسؤولون ومُساءلون في المحرر السوري
إن السائر في مناطق المحرر في الشمال السوري ليعيش مشاعر الفرح والحزن بآن واحد، فرح البعد عن سلطة الأسد ومخابراته، وحزن بنفس الدرجة من حال مناطقنا الخارجة عن سلطته، هذه الحال التي إن سكت عنها الدعاة والمصلحون فربما تولّد لدينا نسخاً لا تعد ولا تحصى عن بشار ومن يدور في فلكه!
ولأن الله أخذ على أهل العلم أن يبينوا للناس فقال تعالى: {وإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ} سورة آل عمران, 187, كان لزاماً علينا أن نجهر بالإصلاح ونبيّن الخلل، تطبيقاً للتوجيه النبوي الذي قَالَ: (والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَتَأْمُرُنَّ بالْمَعْرُوفِ، ولَتَنْهَوُنَّ عَنِ المُنْكَرِ، أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّه أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْهُ، ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلا يُسْتَجابُ لَكُمْ).
بوصلةٌ غيرُ موصِلة:
لقد كانت سياسة نظام الأسد تقتضي التحدث في كل شيء عدا الاقتراب من النقد أو نحوه لسدّة الحكم، فتوجيهه نحو الناس ومشكلهم الحياتية شيء، والنصح لسلطة والحاكم شيءٌ آخر تماماً!! وللأسف فواقعنا يقول أن شبح تلكم السياسة التي فررنا منها، صارت الآن تطاردنا في محررنا.
ولعل هذا يسوقنا إلى بيت القصيد (وهو) غياب الخطاب الديني الموجه للأمة حسب حاجتها وما تقتضيه مصلحتها، فيما يُصلح حالها ويقوّم انحرافها، وبذلك يقول الإمام العز بن عبد السلام: “من دخل قريةً فشا فيها الربا، فخطب فيها عن الزنا فقد خان الله ورسوله!، ولهذا وجب الاهتمام بتوجيه الخطاب للسلطة والمسؤوليين بغية الإصلاح وبلوغ الصلاح، وفي ذلك يأتي التوجيه النبويّ: {أَفْضَلُ الْجِهَادِ كَلِمَةُ عَدْلٍ عندَ سُلْطَانٍ جائِرٍ}، ويحضرنا هنا قصة الرجل الذي سأَلَ النَّبِيَّ ﷺ وقَدْ وَضعَ رِجْلَهُ في الغَرْزِ (أرض الجهاد): أَيُّ الْجِهادِ أَفْضَلُ؟ فقَالَ له: «كَلِمَةُ حقٍّ عِنْدَ سُلْطَانٍ جائِرٍ».
من هنا كان مداد العلماء أفضل في الميزان من دماء الشهداء أنفسهم، حيث يقول رسول الله: {يشفع يوم القيامة ثلاثة الأنبياء ثم العلماء ثم الشهداء}، وقوله: { يوزن يوم القيامة مداد العلماء ودم الشهداء}، وقوله: {للأنبياء على العلماء فضل درجتين، وللعلماء على الشهداء فضل درجة}، وما هذه الرتبة والمرتبة إلا لأن العالم يعرف مواطن الخلل فيعالجها، ويوجه الناس نحو اجتنابها والابتعاد عن المسالك الموصلة لها.
فيا أهل العلم ومنابر التوجيه والإرشاد، أولو قضايا الشعب حقها من البحث والدرس مع النقد البنّاء والتوجيه المباشر، ووجهوا رماياتكم نحو المسؤولين فهم أدعى الناس بأخذ النصح والشكر عليه (إن صدقت نياتهم، وصلح عزمهم)، وقد روي في الأثر: “إذا صلح الراعي صلحت الرعية، وإذا فسد الراعي فسدت الرعية”.
فيا جناب مسؤولينا (بعد زمن الثورة على جلادينا):
إننا بتنا نسمع ونرى في محررنا متسلطين يرون أنفسهم قادة كباراً عصيةً على النقد، ونرى مسؤولين هانت عليهم حقوق الناس، ونرى حواجز تفتك المحرر، وتأخذ المكوس من الناس بالباطل ظلماً وعدواناً، وخلفها مسؤولون ومتنفّذون!! ونرى محاكم تعتقل الناس على الشبهة والظنّة، وتجلد ظهور الناس، ونرى زعامات ترفض الخضوع للقانون وتتحايل عليه، فهم يظنون أنفسهم أنهم القانون وربما فوقه، وهم الدولة والسلطة، ونرى مسؤولين أباحوا لأنفسهم المال العام وأخذوا يقسمونه بينهم وعلى من يدور في فلكهم، ونبينا يقول: {مَن أخَذَ أمْوالَ النَّاسِ يُرِيدُ أداءَها أدَّى اللَّهُ عنْه، ومَن أخَذَها يُرِيدُ إتْلافَها أتْلَفَهُ اللَّهُ}.
أخيراً..
خطابنا لأهل العلم والخطباء والدعاة، وكل صاحب كلمة ومنبر، حتى من الشعراء والكتّاب والفنانين، أن يجعلوا أكبر النصيب لنصح ولاة الأمر سراً وجهراً، فقد روى أبو نعيم في حلية الأولياء مانصه: ” قال سمعت الفضيل بن عياض يقول: لو أن لي دعوة مستجابة ما صيرتها إلا في الإمام (صاحب السلطة والسطوة)، قيل له: وكيف ذلك يا أبا علي؟ قال: إن في صلاح الإمام صلاح العباد والبلاد.
ولأهل المنابر الإعلامية كلِّها ألا يغشوا الناس بالتحدث بما لا يهم حياتهم ومعيشتهم، فبالعدل قامت الأرض والسماوات كما قيل في الأثر، وأن يلتفتوا لترسيخ ميزان العدل في القول والفعل، ويعملوا على حمايته بالحبر والمداد، في كل سهلٍ وجبلٍ وواد.
وحسب رؤية تيار المستقبل السوري الدينية، والتي تنطلق من مقاصد الدين الحنيف، وأخلاق الأديان السامية، فإننا نوصي بالاهتمام بتوجيه أهل السلطة والنفوذ كما نهتم بجانب الشعب، وأن من واجبنا مراقبة كل مسؤول وصاحب سلطة ونصحه، فإنه لو دامت السلطة للأسد في المكان الذي هو اليوم فيه، لما كان لكم في مواقعكم التي أنتم فيها كرسيٌّ تجلسون عليه.
أحمد بهاء الدين.
المكتب الديني
تيار المستقبل السوري